الخميس 2015/03/05

آخر تحديث: 16:46 (بيروت)

"نقاش" المثلية الجنسية في "أو تي في": فضيحة!

الخميس 2015/03/05
"نقاش" المثلية الجنسية في "أو تي في": فضيحة!
المذيعة دانيا الحسيني: "سألت مثليين وقالوا لي انو هني صاروا مثليين لأنو موضة"
increase حجم الخط decrease
أتحفتنا قناة "أو تي في" بعنصريتها تجاه المثليين جنسياً. حاولت المذيعة "المتغندرة" بشعرها الطويل، القول بأنها طرحت الموضوع بشكل مغاير في برنامجها، المفترض أنه متخصص في قضايا المرأة، "من حقّك".

بدايةً، استقبلت فتاة مثلية. أجلستها على كنبة صفراء عالية، تظهر لنا قدميها فقط، وهي تنتعل حذاءً رياضياً. وربما بسبب خطأ تقني، سُمع صوتها، على الرغم من محاولة تضخيمه كي لا يتعرف عليها أحد. تسألها المذيعة بشيء من الثقة: "إيمتى صرتي هيك؟"، ولا تدعها تكمل كلامها، فتستعد لسؤال آخر: "لما خلقتي شو كنت تحسي؟" (بالفعل أسئلة وجودية، ترفع لها القبعات).

الحق الذي حاولت المقدمة دانيا الحسيني تناوله، تحول سلعة بائسة. لم تنجح، خلال المحاور الثلاثة للحلقة، أن تعطي سبباً حقيقياً لفتح النقاش الذي كاد يشابه أصداء كلام يُرمى في البئر، وهي تكرر طوال الوقت، على مسمع معالج نفسي وطبيب صحة جنسية: طيب شو هي اكتر الأسباب النفسية يلي بتخلي الشخص مثلي جنسياً؟ أعادت السؤال مرات عديدة وبثقة زائدة، وهي تعدّه السؤال المفتاح للقضية. وانتهت الحلقة، من غير أن تحصل على إجابة من المعالج النفسي رائد محسن، سوى: "ما في أسباب نفسية محددة".

في الحلقة، نسمع صوت المذيعة أكثر من ضيوفها. تُسكتهم وتتدخل بحجج كثيرة، كونها صوت المشاهدين (؟) تنقل رأي الغالبية (!): "بس هني هيك بقولو. طيب المجتمع هيك بقول".

كلفت الإعلامية نفسها، وهي التي تؤكد ان برنامجها هو حقوقي وللدفاع عن حقوق المرأة والمهمشين، بأن تكون صدى الشارع، الذي يعاني رهاباً من المثليين. وبدلاً من أن تأخذ النقاش في طريقه العلمي والاجتماعي والإنساني، مجّته في استهلاكه الإعلامي الرخيص. فبدت القضية إسفافاً بحقوق أقلية يمارس عليها العنف (ناهيك عن معرفة ضحلة بالموضوع، بل مشوّهة عن أي "آخر" أو "مغاير" لما تعرّف به المذيعة نفسها.. ومن خلفها ايديولوجيا القناة). هذه أقلية ما زال أفرادها يعانون قهراً وتعذيبا، بدءاً من القانون وصولاً الى الدين.

والحسيني عنونت حلقتها بما ينمّ عن الجهل، قبل الابتذال: "المثلية: موضة أم مرض؟". وحين طرحت إشكالية "موضة" المثلية (لا نعرف من اين ابتكرتها!)، قالت بشيء من الاستسهال: "سألت مثليين وقالوا لي انو هني صاروا مثليين لأنو موضة".

فعلاً؟؟؟ فعلاً، أنت إعلامية قوية! هل يعقل أن يقول مُثليّ، يعاني اضطهاداً وله تاريخ مع مشاعره واحاسيسه وهويته، ويعاني إشكالية توريتها في مجتمع كمجتمعنا، أنه "امتثل" للمثلية فقط لأنها موضة؟! يعني هل يمكن أن نتساءل ما هي دلائل هذه الموضة؟ وأين المعيار الشخصي فيها؟ والهوية؟ والخيار الفردي؟ ولماذا الاختلاف مرعب إلى هذا الحد؟

شكراً لـ"أو تي في" لأنها "أفهمتنا" أخيراً بأن المثلية موضة "دارجة"، أو مرض يستوجب الوقاية. وعليه، فكل أم وأب من واجبهما منع هذه الموضة من التمدد، وفق البرنامج.. الذي لم يتجاهل أيضاً أن تكون المثلية داءً.. ما يعرض المثليين، في أحسن الأحوال للشفقة، وفي أسوئها للاضطهاد والتمييز والقمع الجمعي تحت شعار: لا لأي اختلاف.. على طريقة: لا للغريب! 

لم تسمع المذيعة الحسيني، ربما، ولا فريق الإعداد، ببيانات جمعية أطباء النفسيين التي قالت مراراً ان المثلية الجنسية ليست مرضاً. وصارت الحسيني، تأخذ الحوار بضياع تام من طرح الى آخر، وهي تحاول انتشاله من قعره.

أسئلة ساذجة وأحكام مسبقة، مع "رتوش" ادعاء بأنها تقدم موضوعاً على طريقة "السبق الإعلامي".. الرخيص. وهي تتمشى في الاستديو، متنقلة بين الضيفة المخفية وراء الكنبة، وبين ضيفيها، اللذين انضم اليهما لاحقاً الزميل بيار أبي صعب، وهو فور دخوله، انتقد طريقة الطرح في بداية الحلقة، وطريقة حضور الضيفة والتقديم. وقال علناً: هذه حلقة لم يتم التحضير لها بشكل كاف.


وبالفعل مَن تابع الحلقة الى نهايتها، لا بدّ اكتشف أنها تعميم لما هو سائد وترسيخ له، لتحقيق مشاهدة عالية ولجذب مشاهدين يغالبهم الحقد والغضب تجاه المثليين وثنائيي الجنس والمتحولين جنسياً. ولم تكن الحلقة، رغم آراء الضيوف الثلاثة المنفتحة (على اختلافها)، إلا إثباتاً لرأي المجتمع والدين (علماً انها المرة الأولى التي لا يُستضاف فيها رجال دين في حلقة موضوعها المثليين جنسياً، وهذا أمر إيجابي وحيد فيها، وإن كانت آراء رجال الدين ممَثَّلة بشكل غير مباشر في الإعداد لناحية ما هو "الطبيعي" أو "غير الطبيعي"). الرأي المكرّس هنا هو ذاك المناهض لحقوق المثليين، ليصبح الحق في حلقة كهذه، تهمة. لا سيما أن المقدمة قرأت مراراً تعليقات أرسلها مشاهدو البرنامج الى صفحته الفايسبوكية وعلى حسابه في "تويتر"، وهم يؤكدون رفضهم المثلية ويتهمونها بالردّة (يُنصح بعودة سريعة إلى التراث العربي وقصائده وحكاياته).

وليس التقرير المصوّر في الشارع، وهو عبارة عن استبيان آراء "عشوائي"، سوى تأكيد صارخ على أن الحلقة ليست بريئة من تبنّي هذه الآراء. آراء لم تكتفِ بالتعبير عن كره دفين لهذه الفئة المهمشة فحسب، بل قال أحدهم للحسيني: "الصليب يلي برقبتك ما بخليكي تقبلي فيهن"...

الصليب؟ من أدخل الدين هنا؟ وكيف تسمح مذيعة وقناة لبنانية، تدّعي "الإصلاح والتغيير"، وتصرخ من أجله في البرلمان، وتوقف من أجله بيانات حكومية، ويدّعي نوابها الدفاع عن حقوق المدنيين والمهمشين في المجتمع، أن تبث رأياً بهذه الفجاجة وبهذا التعصب؟ لماذا لم تُظهر الحلقة، مثلاً، رأي البابا فرنسيس في الموضوع ومقاربته الإنسانية؟

أظهرت الحلقة، في تقديمها وطريقة العرض، خصوصاً بعد استضافة شاب آخر على الكنبة الصفراء نفسها، أن اللبنانيين يكرهون المثليين.. نقطة. وكأنها رسالة لهم: اتركوا البلد، لا حقوق لكم، ولن يعترف بكم أحد. ناهيك عن السؤال الفج الذي طرحته المقدمة على الشاب الضيف، وكاد لا يعرف كيف يرد عليه، (لعله اختيار مقصود لضيف لا يملك حججاً قوية): "ليش انت شاذ؟". فهل يعقل من إعلامية في العام 2015 أن تلفظ كلمة "شاذ"، لفئة تسمى عالمياً، وفي كل الاتفاقات الحقوقية والميثاقات "مثلية"؟ بل هل هذا سؤال من أصله؟

ليس هذا التفصيل سوى جزء يسير من حلقة لم تقدم جديداً، بل استشرست في القديم، وطرحت موضوع المثلية على أنه قضية "جدلية"، لتساند الرأي السائد/التقليدي/المحافظ في المجتمع، إضافة إلى السعي خلف "إثارة" مبتذلة، على حساب حق انساني في الاختيار الشخصي. 
ويجوز السؤال هنا: هل هذه موضة إعلامية؟ أم مرض؟ 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها