الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

ريفوليوشن ريكوردز.. راب من غير مكياج

لما يبقى الغنا ثورة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"مصر بلد التاريخ، شعب وحضارة محيراني، تزرع فيها رز شعير تطرح كبدة إسكندراني، اشحن تكسب ثواني خد فكرة وتعالى تاني، الزمالك يكسب طول الدوري وبرضه يطلع مركز تاني".. جرعة "أوفر دوز" من الجرأة في الكلمات المختزلة خلف ستار السخرية من الواقع أحيانًا والطرح المباشر للفكرة بدون تزييف أو تجميل في أغلبية الأحيان، مزيج سماعي جمع بين الاحترافية في الأداء والليونة في تنوع موضوعاته، اعتاد الدوران في فلك نقل صورة الحياة بتغيراتها المأساوية والسياسية في شكل "بارات" تخفي في معاني كلماتها أكثر بكثير مما تبدو عند سماعها ولو بمحض الصدفة على الساوند كلاود، كيان أقرب منه مجرد باند أو فكرة "قعدة" دردشة بالغنا والتنفيس عن المكنونات الدفينة بتراكات، خلق لنفسه أيقونة من الصعب مضاهاتها في المجال المستقل، اتخذ من مسمى "الثورة" اسمًا يعبر عن فكرته، عن حلمه، عن رؤيته، وبشكل أوسع يعبر بشكل أو بآخر عن "أمله" في "اللي جاي أحلى".

أقدم كيان راب

"ريفوليوشن ريكوردز"، أو بالمعنى الحرفي للتسمية "تسجيلات الثورة"، أو مثلما يفضل أعضاء الباند لقب "الثورجية"، أحد أقدم وأكبر كيانات الراب المستقل في ساحة الأندرجراوند بمصر، ببساطة إن كنت من "مهووسي" الـ 16 بار، والكلام "المتركب على بعضه بسرعة"، والأداء الممتلئ بجرعات مركزة من "الهايبرة" في الأداء، مع لمسة من فكرة "النموذج" و"القدوة" في المجال، فما عليك إلا تجربة سماع إحدى تراكاته، بعيدًا عن زحام المجال "اللي لامم كتير" وبين "اللي فاكر نفسه رابر"، و"اللي فاكر الراب مجرد شتيمة"، وبشكل أبعد ما يكون عن الاستسهال والاستنساخ في الفيرسات، وأكثر بعدًا عن تمحور "البعض" حول فكرة "الأنا" باتخاذه من "الديسات" وسيلة لإثبات الذات وكونه "الأفضل والأجمد"، دون الاتكال على معاني الاحترافية و"الاحترام" للأقدم في المجال، وبعمل "سيكب أد" لفكرة رمي الكلام على "ناس" بعينهم في المجال المزدحم، ومع رفع القبعة احترامًا وتقديرًا لأقدم فرق الراب في مصر "واي كرو" والثنائي عمر بوفلوط وشاهين العبقري ممن استحقوا عن جدارة لقب "ملوك إسكندرية"، فيمكن ببساطة اعتبار "الثورجية" ثاني أقدم فرقة راب في أم الدنيا، ويعد بمثابة أكبر "كيان" للراب ليس فقط في العاصمة الثانية بل على مستوى المحافظات.


مش مجرد باند

كيان أقرب منه باند، حيث وضعت بذرة ريفوليوشن على ضفاف بحر إسكندرية منذ قرابة العقد من الزمن، ليس فقط لحلم تأسيس باند أو "قعدة" راب ينافس الباقي في الوسط، ولكن اتسعت دائرة الحلم لفكرة تأسيس "ستوديو" وشركة إنتاج ذاتية، لا تعتمد على الغير في إخراج التراكات للنور، ولا تحتاج إلى "سبونسر" أو منتج "وصي" عليها، وبالفعل شيئًا فشيئًا تحول الحلم إلى حقيقة مؤخرًا، بإطلاق أكبر "مؤسسة إنتاجية وستوديو تسجيل" للراب المستقل في مصر حمل اسم "الثورجية"، رغم اتخاذ اسم "الثورة" شعارًا لهم، لكن البداية الحقيقية للباند لا تمت لثورة يناير أو يونيو بصلة، حيث وضع حجر أساس المشروع منذ عام 2006، على يد أحمد مبروك، الشهير بلقب "روك"، وانضم إليه الثلاثي روني وسيزار وتمراز، ممن سعوا لخلق "كيان" ذاتي يجمل ساحة الراب للأفضل، ويجسد بتراكاته وكلماته مفاهيم "الثورة" الحقيقية، ليست تلك المختزلة في معايير الثورة السياسية وخلع الأنظمة دون بناء بنية تحتية بديلة في المجتمع، ثورة تبدأ من النفس ثورة اجتماعية وفكرية تجعل من إزاحة النظام الفاسد فائدة، ثورة في كل مجالات الحياة العادية، مع تركيز بؤرة الثورية هنا على "الثورة الفنية"، بإحداث تغيير ولو بمجرد نسمة هواء ما قبل العاصمة عبر أغنية، أو حتى مجرد "بار" راب تحمل معانيه "حقيقة" غير مزيفة.


حكاية ثورة

لمع نجم "الثورجية" بشكل أكبر مع اندلاع فتيل ثورة يناير، ليجدوا منها براحًا لإطلاق طاقتهم الغنائية المكبوتة لأعلى مدى، ليكسروا حاجز السكوت والخوف من الكلام عبر فتح قفص الحرية لحمامة "الكلام" ليطلقوا العنان لأول مشروع غنائي "حقيقي" يجسد فترة الثورة الأولى منذ اشتعالها وحتى الفترة الانتقالية وسقوط نظام "الجماعة" بثورة يونيو، وتلخيص أحداث السنتين جمعاء في 10 تراكات تجمعت في ألبومهم الغنائي الأول "الحكاية ستوري تو تيل"، بداية من "يا ثورة قومي"، و"كاذبون"، و"أنا مش عدد" و"ممنوع من التغيير" مرورًا برائعة "إذا الشمس غرقت في بحر الغمام ومدت على الدنيا موجة ظلام"، والتي مزجت بين سحر الشيخ إمام وكلمات الثورجية "والعادي بقى إنك تعيش جبان متهان أحسن ما تكون ميت مربوط ومتقيد، عبد وسيدك سجان، عايش متساق متلحم، دورك محدود متحجم"، مع إحياء ذكرى كل شهيد، وتمجيدًا لكل "واحد" فقد روحه وأصبح في ذمة الوطن مجرد "عدد" والتي تلخصت في دقائق أغنية "أنا مش عدد أنا مش رقم في كشوف غياب، أنا اللي بخبي القصص جوة الكتاب، أنا مش رقم على جثتي، أنا شخص عادي، أنا ماتش كورة في حتتي، انا مش علم ويومين حداد، أنا مش مظاهرة ومش نشيد"، وصولا إلى أغنيتهم الرئيسية والتي عبرت بشكل أوسع عن رؤيتهم "وقت الثورجية"، والتي لخصوا خلالها "توثيقًا" لاعتبارهم أقدم كيان راب ثوري في المجال، فيكفي مثلًا سماع كلمات "ظهورنا من قبل ما الراب اللي مصر يبتدي يتطور، منا من الأول عارف إني قادر أثور بالثورة اللي فيكو هتحول".


هيب هوب اول ستارز

مع بداية تحقيق حلم "الثورجية" في إنشاء أول "ستوديو" مستقل في المجال، أعطى الباند دعمه الكامل لكل هواة الراب لإطلاق العنان لصوتهم، عبر مشروع "16 بار"، بتوليه مهمة تسجيل وماسترينج وإنتاج ألبوم غنائي يضم في جعبته 10 رابرز "جداد"، جمعهم عبر ورشة تدريبية لتعليم أسس الراب، وتحويل نتاجها إلى مشروع ألبوم يضم تراك لكل مشارك مع تراكات مجمعة للمشتركين أجمع مرفقة بحفلات جماعية برفقة الباند، فرصة تسليط الضوء الجماهيري على كل "مهووسي" الوسط الحماسي، وبالفعل نجح الثورجية في تحويل الفكرة إلى حقيقة مرتين، خلال السنتين الماضيتين، مع استعداده لإطلاق النسخة الثالثة من "16 بار" خلال العام الجاري، بجانب زرعه لبذرة مشروع "هيب هوب اول ستارز"، أول كيان احتفالي يجمع نخبة من رواد المجال في القاهرة والإسكندرية على خشبة مسرح واحدة، وتحت مظلة حفلة غنائية موحدة، فكرة نجحت في توحيد راية الراب المصري بعيدًا عن الخلافات المعتادة بين الرابرز، و"النفسنة" المستمرة بين قطبي الوسط في العاصمتين، نجحت الفكرة على مدار أربع سنوات بواقع أربع نسخ من الكرنفال، بضم كل "فوليوم" حفلة كبرى في كل عاصمة،  كان  آخرها نسخة العام المنصرم والتي أرفقها الباند بإطلاق تراك "السايفر"، والذي جمعهم مع واي كرو ودراجون هيل من إسكندرية وأسفلت وعفريت من القاهرة، مع استمراه في علو مستوى النجاح الجماهيري لأعلاه مع كل حفلة، في رسالة فنية يتخلص مفادها الوحدة بين محترفي المجال، والتنافس الشريف والبناء البعيد كل البعد عن فلك "الدس"، بل على النقيض "المجال "زحمة" ولكن البقاء دومًا لمن يطور من نفسه، ويتقبل التحدي باحترافية.


ألبوم جديد

مع بداية السنة الجديدة، يدخل الثورجية في "قوقعة" تغيير جلده، وتجديد دمائه الغنائية، برجوعه إلى الساحة الجماهيرية بشكل جديد ومختلف عن المعتاد، عبر وضعه لمساته الأخيرة على مشروعه الجديد المتمثل في ثاني ألبوماته الرسمية، والذي اختار له اسمًا مبدأيًا "ريفريش"، ربما يعبر ولو ببساطة عن تلك الفكرة التي يريد توصيلها، بجمعه بين اسمه المتلخص من معنى الثورية، وبين فكرة "الرفرشة" والتجديد في المحتوى،  لكنه هذه المرة يتخذ مسارًا ربما يوصف بالجانبي، يبتعد قليلا عن طريق "الثورية" السياسية المعتادة في أغلبية تراكاته، والتي اختتمها مؤخرًا بأقوى أغانيه "أمة متتأمش"، ورغم ازدحام الواقع الحالي بمادة دسمة من حيث المحتوى السياسي التي يمكن "التغني" عليها، لكنه فضل تسليط ضوء كلماته على "الواقع" من حيث المنظور الاجتماعي، ثورة ولكن اجتماعية حياتية، يثق في مبدأ الثورة الحقيقية تبدأ من الداخل، من كل غرفة وبيت ونفس، مع وضع لمسته الأدائية المعتادة من الجرأة في التناول، خاصة بعد جرعة سياسية دسمة في ألبومه الأول، ألبوم يظهر للنور رسميًا خلال شهر مارس، ويتبعه بجولة حفلات متتالية في المحافظات، آمن الباند بفكرة "الثورة مش بس تغيير نظام، لازم ثورة سلوكيات وتغيير اجتماعي مش مجرد سياسة، الثورة الحقيقية بتبدأ من جوة بعيد عن مسح المكياج اللي برة".