فهيم تاستكين - موقع المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

بعد القرار الأخير الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، القاضي بإنهاء برنامج سري لوكالة الاستخبارات موجه لتدريب وتسليح بعض فصائل المعارضة السورية، ظهرت عدة سيناريوهات محتملة حول بداية نهاية مخططات أنقرة في شمال سوريا، التي كانت تهدف إلى توسيع مجال النفوذ التركي ليصل إلى مدينة إدلب.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت مهتمة أكثر بالجبهة الجنوبية في سوريا والعلاقات الأمريكية مع المليشيات الكردية، إلا أن العمليات التي كانت وكالة المخابرات المركزية تديرها بالتعاون مع وكالات استخباراتية أخرى انطلاقا من قاعدة عسكرية تركية؛ كانت هي أيضا تحظى باهتمام واشنطن من عدة نواح. فقد منح هذا البرنامج السري وكالة المخابرات المركزية دورا مؤثرا في عملية تدريب وتسليح مجموعات مختارة من مقاتلي المعارضة، فضلا عن توزيع السلاح والمعدات العسكرية الأخرى التي تم شراؤها بأموال دول خليجية.

والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة قد أعلنت عن هذا القرار خلال الأسبوع الماضي. ولكن حسب تصريحات غير رسمية لمسؤولين أمريكيين نشرتها صحيفة واشنطن بوست، فإن ترامب اتخذ قراره بإنهاء برنامج وكالة المخابرات المركزية بعد مناقشته مع مدير الوكالة مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي ماكماستر، قبل الالتقاء بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في السابع من تموز/ يوليو الماضي في مدينة هامبورغ الألمانية.

خلال ذلك اللقاء، توصّل الجانبان الأمريكي والروسي إلى وضع اللمسات النهائية على اتفاق حول المنطقة الآمنة في جنوب سوريا قرب الحدود الأردنية. وقد دخل الاتفاق حيز التنفيذ إثر قمة هامبورغ، ما يعني أن وكالة المخابرات المركزية والبنتاغون قد قررا التخلي عن العمليات التي كانت تدار من الأراضي الأردنية ضد نظام بشار الأسد.

وكانت مراكز العمليات المشتركة في المدينتين التركيتين أنطاكيا وغازي عنتاب، اللتان تشبهان إلى حد كبير مراكز العمليات الموجودة في الأردن. وقد لعبت هذه المراكز دورا هاما في العديد من التطورات التي شهدها الشمال السوري، خاصة السيطرة على مدينة إدلب في آذار/ مارس من سنة 2015، حيث مكنت غرف العمليات وكالة الاستخبارات الأمريكية من تنسيق العمليات الدائرة على الأراضي السورية.

لذلك، سيؤدي انتهاء هذا البرنامج السري الذي كانت ترعاه وكالة المخابرات المركزية إلى حدوث تغيرات هامة. وبعيارة أخرى،  ستتكبد بعض الفصائل السلفية والإسلامية المعتدلة، التي كانت تحاول مواجهة هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة التي تسيطر الآن على أغلب مناطق إدلب، المزيد من الخسائر مستقبلا.

وفي هذا الإطار، قام ضباط المخابرات الأمريكيين، والأتراك والسعوديين، الموجودين في مراكز العمليات المشتركة، بخطوات إضافية لتحسين الأوضاع الأمنية بعد أن نجح مقاتلو تنظيم القاعدة في تحقيق مكاسب في إدلب. وقد شرع هذا التحالف في دعم ثلاث مجموعات معارضة، وهي الجبهة الشمالية، ولواء صقور الجبل، والفرقة 13، عبر تزويدهم بصواريخ مضادة للدبابات موجهة عن بعد، إثر توحيدهم تحت يافطة جيش تحرير إدلب. ولكن هذا الجيش الجديد لم يتمكن من الوقوف أمام تنظيم القاعدة الذي كان أكثر قوة.

وفي شباط/ فبراير، استدعت المخابرات الأمريكية والسعودية والتركية قادة بعض المجموعات المحلية، واشترطوا عليهم تكوين جبهة مشتركة وفعالة، وإلا سيقطع عنهم مركز العمليات المشتركة الدعم؛ المتمثل في تسديد أجور المقاتلين، وتزويدهم بالأسلحة الخفيفة والذخيرة والصواريخ المضادة للدبابات. وأمام هذا التحذير الخطير، أعلنت 17 منظمة محلية عن اندماجها تحت يافطة غرفة عمليات الجبهة الشمالية.

وبالتوازي مع هذه الجهود، أجرت تركيا سلسلة من اللقاءات في أنقرة مع قادة الفصائل السورية لإنشاء قوة مشتركة باسم جيش الوطن وجيش التحرير، من أجل توسيع نطاق عمليات درع الفرات لتشمل إدلب، إلا أن هذه المساعي لم تكلل بالنجاح. والآن، مع وقف الدعم لهذه المجموعات، ستزداد معاناتها وسيتراجع دورها.

أما الآن، قد تتعرض المجموعات المدعومة من الغرب والخليج للمزيد من الضغوط، من أجل إجبارها على الانضمام لمحادثات السلام في أستانا. وتشير الأوضاع الحالية في جبهة إدلب إلى أن هيئة تحرير الشام التابعة للقاعدة تمكنت من تعزيز سيطرتها على المنطقة. وقد اندلعت اشتباكات بين أحرار الشام وهيئة تحرير الشام في 18 تموز/ يوليو.

 وفي اليوم التالي تمكنت هذه الأخيرة من السيطرة على ثلاث بلدات كانت تسيطر عليها أحرار الشام، وخلال اليوم الموالي تمكنت أيضا من الاستحواذ على أربع بلدات أخرى، رغم أن السكان الغاضبين في إحدى هذه البلدات، وهي سراقب، أجبروا عناصر هيئة تحرير الشام على الانسحاب. وبعد ثلاثة أيام فقط، تمكن هذا الفصيل التابع لتنظيم القاعدة من السيطرة على أغلب مناطق إدلب. والآن اضطرت تركيا لسحب 150 مقاتلا كانت قد "استعارتهم" سابقا من أحرار الشام، وقامت بإعادتهم إلى إدلب من أجل إنقاذ الوضع.

في الواقع، لطالما كان الدعم التركي للمجموعات المقاتلة في شمال سوريا مرتبطا بشكل كبير بالدعم المالي الخليجي، وهو أمر سيتأثر كثيرا بانسحاب وكالة الاستخبارات الأمريكية. كما أن الأزمة المندلعة بين قطر وجيرانها الخليجيين ستكون لها تبعات مؤكدة على الوضع في سوريا. فالمملكة العربية السعودية، التي تبدو منزعجة من الدعم التركي المعلن لقطر، لن تقبل على الأرجح مواصلة التعاون مع أنقرة في شمال سوريا. ويجب علينا هنا أن نتذكر أن السيطرة على حلب وإدلب في سنة 2015 لم تكن ممكنة دون الدعم السخي الذي قدمته الرياض.

أما قطر، التي تتعرض لضغوط كبيرة بسبب العقوبات التي فرضها عليها جيرانها في الخليج، فإنه من الطبيعي ألا يتوقع منها الحفاظ على دعمها للفصائل المقاتلة في شمال سوريا.

ومن هذا المنطلق، يحذر منتقدو هذا القرار الذي اتخذه ترامب، من أنه في غياب وكالة المخابرات المركزية يمكن أن تبدأ كل من تركيا ودول الخليج في دعم مجموعات متطرفة عبر تقديم أسلحة متطورة مضادة للطائرات، خاصة الصواريخ المحمولة على الكتف.

وأثناء وجود وكالة المخابرات المركزية، كانت الدول التي تدعم المجموعات المقاتلة على الأرض تحظى بنوع من الحصانة، ولكن الآن مع مغادرة الطرف الأمريكي، سيتوجب على هذه الدول التفكير جيدا قبل مواصلة دعمها لمجموعات مسلحة غير نظامية.

فضلا عن ذلك، ربما سيؤثر انسحاب وكالة المخابرات المركزية أيضا على خطط عمليات أنقرة فيما يخص إدلب، إذ أن الجانب التركي كان يعتمد بشكل كبير على أحرار الشام من أجل إنهاء سيطرة هيئة تحرير الشام هناك، ولكن المساعي التركية لم تنجح.

وبالتالي، ربما ستدفع كل هذه التطورات بتركيا إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع هيئة تحرير الشام عوض عن مواجهتها بشكل غير مباشر عبر دعم المجموعات المسلحة، وهو ما قد يعني تطورا خطيرا واتساعا في رقعة العنف في شمال سوريا.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس