x

حمدي قنديل المبشرون باللجنة حمدي قنديل الأحد 01-04-2012 21:02


ترشيح جماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية كان قنبلة شديدة الانفجار سوف تتردد أصداؤها ليس فقط فى آفاق السباق الرئاسى وإنما داخل الجماعة ذاتها أيضاً، وسينكشف خلال أيام، بل ربما ساعات، لغز تحضيرها إذا ما كان قد تم باتفاق مع المجلس العسكرى أم كان فى مبارزة معه.. لكن القنبلة مهما باغتت العديدين إلا أنها لم تكن مفاجئة للبعض تماماً.. كانت المقدمات قد بدأت بواكيرها عندما استخدموا سلاح التكفير فى استفتاء 19 مارس، ثم أخذت ملامحها تتضح عندما تراجع الإخوان عن موقفهم فى قصر ترشحهم على 30٪ فقط من مقاعد البرلمان فإذا بهم يدفعون بمرشحين على 70٪ من المقاعد، ثم استبانت المعالم عندما عدلوا عن تأييدهم لحكومة الجنزورى فإذا بهم يرفضون بيانها ويبهدلون وزراءها وينادون بإسقاطها، لكن الخطة انكشفت تماماً عندما قرروا التهام اللجنة التأسيسية للدستور التى كانوا قد وعدوا بأن تشكيلها سوف يتم بالتوافق.

النظر بإمعان فى تشكيل اللجنة يبين لنا كيف مضى الإخوان فى تنفيذ خطتهم للاستئثار بالبرلمان، ثم الاستيلاء على اللجنة، تمهيداً لفرض مشروع دستورهم سابق التجهيز، والانقضاض فى الوقت ذاته على الحكم ليس فقط من خلال حكومة يلتهم الإخوان معظم مناصبها ويلقون ببعض الفتات كالعادة للغير، لكن أيضاً بالتهام منصب الرئاسة ذاته، وبذلك يكون قد تم اختطاف الثورة، بل فرض وصايتهم كاملة على الوطن.

لنتوقف قليلاً عند اللجنة المكلفة بوضع الدستور، آخر خطوات الإخوان التى بشرت بترشيح «الشاطر».. كما هو معروف، فإن اللجنة مشكلة من مائة عضو اختارهم أعضاء مجلسى الشعب والشورى، نصفهم أعضاء فى البرلمان والنصف الآخر منتخب من خارجه.. هنا أول الإشكالات، إذ إن القاعدة الراسخة هى أن الدستور يصنع البرلمان (وغيره من السلطات) لا أن يصنع البرلمان الدستور.. هنا تضارب فى المصالح، إذ الأرجح أن ينحاز أعضاء البرلمان، خاصة ممثلى الأغلبية بينهم، إلى دولة برلمانية فى حين قد يكون الأنسب لمصر فى المرحلة الراهنة أن تكون الدولة رئاسية.. ثم، كيف لأعضاء الشعب والشورى أن يقرروا ما إذا كان نصف الأعضاء فى البرلمان الذى سيقرره الدستور الجديد من العمال والفلاحين أم لا، فى حين أن عديدين منهم أنفسهم عمال وفلاحون؟.. وكيف لأعضاء الشورى فى اللجنة التأسيسية أن يفصلوا فيما إذا كان مجلس الشورى سيلغى أم سيبقى؟

إجابات هذه الأسئلة الشائكة لا تحتاج سوى إلى المنطق، لكن هناك مسألتين آخريين تحتاجان إلى خبرة قانونية، بل أيضاً إلى حكم قضائى.. الأولى هى أن البرلمان ذاته الذى شكل اللجنة التأسيسية للدستور مهدد بالبطلان، حيث ميز الحزبيين عن المستقلين، فاختصهم بثلثى المقاعد فى القوائم إضافة إلى مشاركتهم المستقلين فى الثلث الذى انتخب بالنظام الفردى، وهو الأمر الذى تنظره الآن المحكمة الدستورية العليا.. أما المسألة الثانية فهى أن بعض الفقهاء الدستوريين يرون أن تشكيل اللجنة التأسيسية مخالف للمادة 60 من الإعلان الدستورى، التى تنص على أن يجتمع مجلسا الشعب والشورى لانتخاب اللجنة - أى انتخاب آخرين لا انتخاب أنفسهم، وقد رفعت بهذا الشأن قضية ينظرها الآن مجلس الدولة.. أى طعنة سوف تصيب مصداقية البرلمان لو أفتى مجلس الدولة ببطلان قراره بتشكيل اللجنة التأسيسية، وأى فوضى سوف تحدث إذا أفتت المحكمة الدستورية ببطلان البرلمان ذاته؟!

لم يلتفت البرلمان إلى شىء من هذا، لكنه سارع لاهثاً إلى تشكيل اللجنة التى منحه الإعلان الدستورى 6 أشهر كاملة لتشكيلها، فاستولت الأغلبية البرلمانية على ثلثى مقاعد الأعضاء فى المجلسين وعلى أكثر من ثلث مقاعد الأعضاء الذين انتخبوا من خارج البرلمان.. بين هؤلاء رفيق حبيب، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، وعبدالرحمن البر، عضو مكتب إرشاد الإخوان، ونادر بكار، المتحدث باسم حزب النور السلفى، والمفكر الإسلامى محمد عمارة، وأسامة إبراهيم السيد، عضو الإخوان، ومحمد يسرى إبراهيم، المرشح السلفى الذى خسر الانتخابات فى مدينة نصر، وثلاثة من نقباء النقابات المهنية ممن خاضوا انتخاباتهم على لوائح الإخوان، وهم نقيب المهندسين ونقيب الصيادلة ونقيب الصحفيين (أى أن 60٪ ممن تم انتخابهم من النقابات يتبعون الإخوان)، وهناك أيضاً د. معبد الجارحى، أستاذ الاقتصاد المقرب من الإخوان، وحينما تم اختيار ممثل عن المصريين فى الخارج كان أمين عام اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا، فى حين لا يمكن لأحد أن يزعم أن غالبية المصريين المغتربين ينتمون إلى تيار الإسلام السياسى.. أما الطالب الوحيد فى اللجنة فهو من طلاب الإخوان، فى حين ترددت أنباء أن الطالبة الوحيدة تمت بصلة قرابة لأحد أعضاء مكتب إرشاد الجماعة.. تلك كانت مقومات العضوية فى معظم الحالات: إما أن تكون من صلب الجماعة، أو على صلة بها، أو أن تكون محل رضاها.. أما إذا لم تكن واحداً من هؤلاء فلست من المبشرين باللجنة.

اهتزت موازين الاختيار، ونسف معيار الكفاءة، وساد منطق الشلة، ودخلت اللجنة شخصيات مجهولة، وغاب أعلام مثل د.محمد غنيم و«هيكل» و«البرادعى» ود.حامد عمار والشيخ القرضاوى ود. ميلاد حنا ود. عبدالجليل مصطفى وأحمد رشدى، وزير الداخلية الأسبق، والشيخ حافظ سلامة ود. أحمد جويلى وغيرهم.. وأُقصى عن اللجنة فقهاء دستوريون كبار مثل إبراهيم درويش وثروت بدوى وجابر نصار ويحيى الجمل ومحمد نور فرحات (فى اللجنة عضو واحد من أساتذة القانون الدستورى).. ولم يزد عدد القضاة الأعضاء على 8 (ليس بينهم نهى الزينى ولا زكريا عبدالعزيز ولا أحمد مكى).. والنقابات المهنية لم يمثلها سوى خمسة أعضاء، وسيناء غير ممثلة، والنوبة هى الأخرى مستبعدة، دعك من أن الأزهر تم تمثيله بعضو أما الكنائس المسيحية فلم تمثل رسمياً بأحد.. هناك 6 أعضاء من المسيحيين ليس أكثر، وهناك 6 نساء فقط يمثلن المرأة التى تشكل نصف المجتمع، والتى تقدمت الصفوف مع الرجال يوم 25 يناير (اعترضت 17 منظمة نسوية على التشكيل).. أما الشباب فقد تم تجاهلهم كما جرت العادة، ومثلوا بعضو واحد فقط لم يكن مستبعداً أن يكون الدكتور أحمد حرارة ليدغدغ الإخوان باختياره مشاعر الثوار حتى إن كانت ظروفه الصحية لا تسمح بمشاركة فعالة.

لهذا انسحب نحو ربع أعضاء اللجنة، وبينهم ممثلو الأزهر والمحكمة الدستورية وأحزاب المصرى الديمقراطى والمصريين الأحرار والكرامة والتجمع وتحالف الثورة مستمرة، وهددت بالانسحاب نقابة الصحفيين، وانتقدت عدة هيئات تشكيل اللجنة بضراوة، بينها اتحاد العمال والغرف السياحية، وأعلنت الطرق الصوفية أنها تراجع موقفها.. لكن احتجاج البعض لم يكن قاطعاً، وغادر آخرون تاركين الباب موارباً وجعجع عديدون أمام الميكروفونات فى حين صمتوا وراء الأبواب، وهُرعت قامات تستنجد بالمجلس العسكرى واستدعى «العسكرى» أحزاباً ورموزاً ألقى فيهم خطباً عصماء لكنه اكتفى بترقيع فى خطة الإخوان لا يحل ولا يربط، ربما ليشجع الإخوان - فى خطة بلهاء - على التمادى بحيث يرشحون واحداً منهم للرئاسة يفتت أصوات المرشحين الإسلاميين.

هكذا مضى الإخوان فى نهمهم يزدادون غروراً واستعلاءً ولا يأبهون بأحد.. وكانت الخطوة الأخيرة التى ذكرتنا بعهد الاستبداد والفساد عندما قنص حزبه الوطنى كل السلطات وولى مناصب الدولة لرجال الأعمال.. ها هو صوت آخر من حيتان الأعمال الكبار يُرشَّح لأعلى منصب فى الدولة.. خيرت الشاطر الذى شطر ترشيحه الوطن.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

جميع الأخبار

الأكثر قراءة

النشرة البريدية