رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: التاريخ السري لمصطفى حجازي

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز

حاول الاقتراب من محمود محيى الدين للوصول إلى عقل جمال مبارك لكن «الكيمياء الشخصية» لم تجمع بينهما.. وفشل فى دخول «لجنة السياسات»

وقف إلى جوار السيسى لكنه لم يحصد مكاسب.. فتحول إلى خصم عنيد للدولة.. و«الإخوان» تدعمه مرشحًا للرئاسة بالتعاون مع «قوى يناير»

القاهرة فى 18 أغسطس 2013.

تعانى المدينة الكبيرة من صخب المواجهات الدامية بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة.

لا أحد آمن، ولا أحد يعرف ما الذى يمكن أن تجود به الأيام الحبلى بالعواصف.

القنوات الإخبارية أصبحت قبلة للحائرين، الذين ينتظرون ولو خبرًا عابرًا يبعث فى أنفسهم الثقة بأن القادم أفضل.

يقف الدكتور مصطفى حجازى، المستشار الاستراتيجى للرئيس المؤقت عدلى منصور، فى مؤتمر صحفى عالمى، يتحدث مع المراسلين الأجانب فى ثقة مطلقة، وإيمان عميق بما لمصر من حق فى أن تحافظ على هيبتها، وما فرضته الأحداث عليها من تفاعل حاد وحاسم مع الخارجين على القانون الذين خططوا لتأسيس دولة داخل الدولة.

حصد حجازى إعجابًا لم يكن ينتظره أو يتوقعه، أصبح أيقونة، لفتت شياكته المبالغ فيها من تابعوه وهو يتحدث، وكان أن فكر فيه البعض كرئيس محتمل فيما هو قادم من أيام.

حتى هذه اللحظة كان مصطفى حجازى مجهولًا بشكل كامل، فبدأت محركات البحث عنه تنشط، وبدأ المصريون الذين بهرتهم أضواءه، يرسمون له ملامح جذابة، فبدت على السطح صورته التى يحبها، لا تلك التى يعيش بها وعليها.

المعلومات الأساسية التى يمكن أن تتوفر لك عن مصطفى حجازى لا تشى بشىء له قيمة على الإطلاق.

هو من مواليد القاهرة، حصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة عين شمس، ثم حصل على الدكتوراه فى الهندسة والإدارة الاستراتيجية للأزمات من جامعة كاليفورنيا، وبعدها عمل أستاذًا للإدارة والفكر الاستراتيجى والتطور المؤسسى فى نفس الجامعة.

يمتلك حجازى شركة تعمل فى مجال الحوكمة، وطبقًا لتعريف المتخصصين فى هذا المجال، فالحوكمة تعنى مجموعة من القوانين والنظم والقرارات التى تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز فى الأداء، باختيار أساليب مناسبة وفعالة توصل الشركة إلى ما تسعى إليه من أهداف وطموحات.

من هذه الشركة تحديدًا يمكن أن نمسك بأول خطوط صورة حجازى السرية التى يعرفها الكثيرون، فقد حاول الاقتراب من وزير الاستثمار السابق محمود محيى الدين، ولم يكن الهدف هو أستاذ الجامعة الذى استطاع أن يخترق الحواجز فى عصر مبارك، ولكن كان الهدف هو رأس جمال مبارك شخصيًا.

كان رأس نجل الرئيس مثل كرة الضوء التى تجذب إليها كل الفراشات الهائمة على وجهها.

وكان حجازى من هذه الفراشات التى تبحث لها عن طريق.

لم يكن طريق مصطفى حجازى إلى جمال مبارك ممهدًا، كانت به كل مميزات مجموعة الشباب التى يحبها نجل الرئيس الأسبق، فهو شاب حاصل على الدكتوراه من الولايات المتحدة، يجيد الحديث بمصطلحات وتعبيرات فخمة وضخمة، يقدم نفسه على أنه خبير استراتيجى فى مجال الأزمات، مظهره مناسب ليجاور النخبة الجديدة، والأهم من هذا كله أنه مستعد لأن يقدم كل ما يُطلب منه فى مقابل أن يصل إلى مراده، وكان هذا المراد تحديدًا هو أن يكون واحدًا من رجال القادم إلى الرئاسة.

لم تشفع كل هذه المؤهلات لمصطفى حجازى، الكيمياء الشخصية لم تجمع بينه وبين جمال، ولذلك وجد أسوارًا عالية تحول بينه وبين هدفه الذى لم يكن أكثر من الدخول إلى جنة أمانة السياسات بالحزب الوطنى، فتراجع خطوتين إلى الوراء، منتظرًا اللحظة المناسبة، وعندما بدأ الحراك السياسى فى أواخر عصر مبارك وتحديدًا مع ظهور حركتى كفاية ومجموعة 6 أبريل، ظهر حجازى مرة أخرى.

لم يلعب مصطفى حجازى دورا كبيرا ولا صغيرًا فى إزاحة نظام مبارك، كما يحلو للمقربين منه أن يروجوًا عنه، لكنه كان حاضرًا بالقرب ممن خططوا ونفذوا ونزلوا إلى الميدان.

كان لدى مصطفى حجازى حلم فردى ليس بالاقتراب من دائرة السلطة فقط، ولكن أن يصبح رئيسًا، وبدا له هذا سهلًا بعد ثورة 25 يناير، فقد تخيل أن الميدان يمكن أن يحكم، ولن يكون بعيدًا أن يصعد أحد ممن ثاروا على النظام إلى كرسى الرئاسة.

بعد أشهر قليلة من ثورة يناير جمعتنى جلسة عابرة مع أحد العارفين بكواليس الحياة السياسية فى مصر، لا ينتمى لحزب، ولا ينضم لجماعة، ولا يدين بالولاء لحركة، لكنه اختار أن يكون شاهدًا ومشاهدًا، وجدته يقول لى بلا مقدمات: هناك شخص مهم جدا، لا يعرفه أحد، لكنه يتحرك بين أوساط الشباب، فكره منظم، له صالون أسبوعى فى بيته، يمكن أن تقابل عنده كل العاملين فى المجال السياسى فى مصر، ويمكن أن تستمع عنده لمفكرين وكتاب وصحفيين.

سألته عن اسمه.

قال: مصطفى حجازى.

لم أتوقف عند الاسم طويلًا، حتى وجدته يتحول من شخص مغمور لا يعرفه أحد إلى نجم تليفزيونى وصحفى، حيث أدلى بمجموعة من الحوارات لصحف خاصة كبيرة، وظهر كضيف مرات عديدة فى برامج يقدمها الإعلامى الكبير محمود سعد.

أدرك حجازى أن الهجوم على المجلس العسكرى هو السبيل السهل للقبول لدى القوى الثورية التى تعرفه جيدًا، لكنها لا تعترف له بحيثية تمكنه من الصعود، فبدأ يقدم نفسه كثائر وُمنظِّر وُمفكِّر، ومن بين عباراته التى أعتقد أنها موثقة تماما، لدى من وثّقوا كل شىء بعد ثورة 25 يناير: المجلس العسكرى يتبع سياسة فرق تسد.. لن نقبل بعسكرة الحكم مرة أخرى.. أنا عضو فى حركة 6 أبريل، وسافرت إلى صربيا للتدريب.. ورغم حرصه على الإيحاء بأدوار لم يكن يعرفها إلا هو، فإنه ظل بالنسبة للقوى السياسية مجرد منتج فكر كما قدم نفسه للأوساط السياسية منذ البداية.

لم يقدم حجازى نفسه فى هذه الفترة لأى مستوى من مستويات العمل السياسى التنظيمى، حتى عندما تضبطه متلبسًا فى عمل حزبى بعد يناير، ستجده فقط قام بتأجير بعض المقار التى يملكها لحزب العدل الذى أسسه شباب شاركوا فى ثورة يناير، وكان على رأسهم مصطفى النجار، وهو الحزب الذى خرج بدعم جهات بعينها، كانت تسعى إلى تقوية الشباب وجعلهم أكثر قدرة على منافسة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية التى نزلت للعمل السياسى على الأرض.

عندما وصل الإخوان إلى الحكم، اختار مصطفى حجازى المنطقة الرمادية، قرر ألا يحترق، بالانحياز إلى جبهة بعينها، انتظر ولما وجد أن الكفة تميل إلى الشعب، بدأ يركب الموجة، ولم يكن غريبا بعد ذلك أن يتم اختياره مستشارًا استراتيجيًا للمستشار عدلى منصور الذى تولى رئاسة البلاد.

فى اختيار حجازى مستشارًا لعدلى منصور أكثر من رواية.

الرواية الأولى تحدث بها المستشار عدلى منصور نفسه، فعندما سألوه عن معايير اختياره لمستشاريه، وتحديدًا الاستراتيجى مصطفى حجازى والإعلامى والسياسى أحمد المسلمانى، قال: عرفتهما من التليفزيون، فقد كنت أشاهد برنامج المسلمانى «الطبعة الأولى»، وكنت أستمع لحجازى فى بعض البرامج التى تستضيفه، ويبدو أن منصور أعجب بهما كثيرًا للدرجة التى جعلته يختارهما إلى جواره فى مهمة لم تكن سهلة على الإطلاق.

الرواية الثانية والتى لا تنفى الأولى، وإن كانت تضيف إليها بعض الرتوش، أن مصطفى حجازى دخل قصر الاتحادية مستشارًا للرئيس بدفع مباشر من محمد البرادعى الذى كان يشغل منصب نائب الرئيس للشئون الخارجية، ولم يكن مصطفى وحده من دفع به البرادعى، بل دفع بعصام حجى الذى عمل مستشارًا علميًا للرئيس، ثم الكاتب والروائى عزالدين شكرى فشير الذى كان مديرًا لمكتب البرادعى، وهذه قصة أخرى أعتقد أنها يمكن أن تطول.

فى قصر الرئاسة كان هناك صراع من نوع آخر، مصطفى حجازى الذى يميل إلى كفة البرادعى فى مواجهة أحمد المسلمانى الذى يميل إلى كفة المستشار عدلى منصور، هذا الصراع تحديدًا كان سببًا من أسباب انتشار أخبار عن صدامات بينهما ومشاجرات وصلت إلى حد التشابك بالأيدى، وعندما وصلت أطراف من الحكاية إلى أذن الرئيس، استدعاهما وسألهما بشكل مباشر: هل جرى بينكما أى نوع من الشجار؟ ولما أنكرا أمامه، قال لهما: لا تلتفتا إلى ما ينشر فى الصحف.

صحيح أن شجارًا لم يحدث بين مستشارى الرئيس، لكن المنافسة بينهما كانت حادة، للدرجة التى جعلت البعض يذهب إلى أن اختفاء مصطفى حجازى إعلاميًا بعد مؤتمر 16 أغسطس 2013 الشهير بشكل كامل تقريبا، كان بتأثير المسلمانى الذى كان ولا يزال له علاقات قوية مع كل وسائل الإعلام.

ستقول لى: وما علاقة ذلك كله بحديث عن صراع على كرسى الرئاسة، ومنافسات فى الانتخابات الرئاسية القادمة فى 2018؟، وهل مصطفى حجازى يستعد بالفعل ليكون منافسا فى هذه الانتخابات؟.

أقول لك: نحن أمام حلم فردى مشروع، مواطن مصرى يرى فى نفسه الكفاءة والقدرة على أن يصبح رئيسا، وقد اقترب من دائرة السلطة، وأدرك أهميتها وقيمتها، ولذلك فلا تزال حالة الوهج التى رآها تخلب عقله وتدغدغ مشاعره.

لم يكن مصطفى حجازى بعيدًا عن دائرة الرئيس السيسى قبل أن يرشح نفسه فى الانتخابات الرئاسية، كان ضمن مجموعة صغيرة، تفكر وتطرح رؤى، وكانت هذه المجموعة تحديدًا من ساندت فكرة ترشح وزير الدفاع، أو بالأدق رحبت بفكرة ترشحه عندما استشارهم فى مسألة الترشح من عدمه، وهى مجموعة كانت تضم الكاتب الراحل الكبير محمد حسنين هيكل، وعمرو موسى ومصطفى حجازى وخالد يوسف، وانضم لها فى فترات لاحقة عمرو الشوبكى وياسر عبدالعزيز، لكنها تفرقت بعد ذلك، بعد ما بدا من بعض أعضائها رغبة فى السيطرة على المرشح الذى جاء من الجيش ليقتحم الحياة المدنية.

بعد أن أصبح السيسى رئيسا، بدأت مرحلة جديدة.

اعتقد مصطفى حجازى أن له مكانا فيها، لكنه وجد نفسه مبعدًا تمامًا، لم يكن طامعا فى أكثر من القرب الذى يمكن أن يتحدد بعد ذلك فى منصب وزارى أو حتى استشارى، ولديه الخبرة التى تؤهله لذلك، لكنه لم يحصل على أى شىء لا قليل ولا كثير.

تحول مصطفى حجازى من الإعجاب الشديد بالرئيس عبدالفتاح السيسى، والسير فى ركابه، والتبشير بعهده، إلى خصم عنيد، وهو ما التقطته القوى السياسية المناوئة للرئيس، وعلى رأسها الإخوان المسلمين بالطبع، فرأوا أنه يمكن أن يكون منافسا معتبرا فى الانتخابات الرئاسية القادمة.

ظهر اسم مصطفى حجازى مرتين على هذه الخريطة.

الأولى بعد أن أعلن عصام حجى أنه سيرشح نفسه لرئاسة الجمهورية 2018.

خرج علينا بما سمّاه مبادرة الفريق الرئاسى، وهى المبادرة التى سوف تنسق مع جميع أطراف القوى المدنية القائمة حاليا فى مصر للتوافق لخوض انتخابات الرئاسة من خلال فريق رئاسى مع ترشيح تشكيل وزارى معلن لوضع خطوات سريعة بتصحيح المسار الذى طالبت به ثورة 25 يناير.

زاد حجى على ما قاله بأن مبادرته مصرية سلمية مفتوحة للجميع، يتكاتف كل أعضائها تحت راية موحدة لمحاربة الفقر والجهل والمرض، ويكون العدل والتعليم والصحة الأساس لتحقيق طموحات المصريين فى أن تصبح مصر دولة مدنية ذات اقتصاد قوى، تستطيع من خلاله أن تحفظ كرامة الجميع.

كشف حجى عن الأذرع التى تقف وراءه، فهو يطرح مشروعًا رئاسيًا- على حد قوله- قوامه التعليم ونشر روح التسامح ووقف حالتى الانهيار الاقتصادى والاحتقان الاجتماعى، وهى رؤية لا يرددها إلا الإخوان ومن يقفون معهم وخلفهم.

لم تصمد مبادرة عصام حجى كثيرًا، ليس بسبب السخرية منها، ولكن لأن صاحبها نفسه بدا أتفه من أن يتصور أحد أنه يملك مشروعًا، فدع عنك جهله الشديد بالسياسة والاقتصاد والتاريخ والجغرافيا أيضًا، فهو فوق ذلك بدا وكأنه لا يعرف حقيقة الصراع الذى تعيشه مصر، عندما سأل بسذاجة عن مبرر شراء الجيش كل هذه الأسلحة.

كان لابد من بديل لعصام حجى، ولم يكن مصطفى حجازى بعيدًا عن الصورة، فقد اجتمع الشباب الذين تلقفوا مبادرة حجى، ودفعوا بمصطفى حجازى، بل دشنوا صفحات لدعمه باعتباره مرشحًا رئاسيًا فى انتخابات 2018.

المرة الثانية التى ظهر فيها اسم مصطفى حجازى فى مساحة المنافسات الرئاسية، كانت بعد الاتصالات التى أجراها الفريق أحمد شفيق مع بعض القوى السياسية، وطلب دعمها للعودة إلى مصر والترشح فى الانتخابات القادمة.

توافقت بعض هذه القوى على أنهم سيتواصلون بالفعل مع الدكتور مصطفى حجازى، وإن لم يتقدم كمرشح رئاسى عن القوى الثورية، فيمكن أن ينظروا فى طلب أحمد شفيق.

ستقول من حق مصطفى حجازى، كما من حق غيره، أن يرشح نفسه فى الانتخابات القادمة.

سأقول: أنا معك تمامًا فيما تقول، لكن من حقنا أن نعرف كما من حقك أن تعرف، أن مصطفى حجازى الآن لن يكون ممثلًا لى أو لك، بقدر ما سيكون مثل حصان طروادة، الذى سيعود من خلاله الإخوان للعمل السياسى، وليس عليك إلا أن تطالع فقط مواقع الإخوان وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى، لتعرف الحفاوة البالغة والمبالغ فيها بمصطفى حجازى وما يمكن أن يمثله لهم فى المستقبل.

هذه فقط ملاحظة عليك أن تضعها فى اعتبارك وأنت تفكر فى شكل الصراع القادم.